السبت، 3 مارس 2012

مراجعات سينمائية 3: حب من حقبة أخرى

Midnight in paris


مرجعات سينمائية:





في ذلك الجو الحالم، كلُ يرى عامله، وإن كان وردياً، فضاً قاسياً على سكانه ويرى تقلبات حياته ومصاعبها تتزايد يوماً بعد يوم حتى تصل لذروتها ويبدأ كلُ معاني بالتفكير والتحليل حتى يصل إلى الأستنتاج الأعظم، لكن المسكين لا يدري إن لكل زمان معضلة فزمانه عاجي بالنسبة للمستقبل او حتى الماضي.

رسم المخرج وودي آلان مزجً فريداً بين الدراما والفانتازيا فأصبح العمل عبارة عن خليط رائع وصورة مُبهرة لتلك المدينة في كُل الأزمان، من الصعوبة بمكان ان تطرح فكرة جدية في نمط خيالي. ففي التاريخ الأدبي ينفض وفي تلك الشوارع يهيم باحثاً عن تلك المركبة التي ترسله إلى مبتغاه وغاية طموحة حتى ولو كانت على حساب الحاضر ففي مستقبله وماضينا يمضي وقته ويقطع شوطاً وإن كان صغيراً للشيخوخة في الماضي مع العلماء والفنانين وأصحاب الذوق الرفيع بالنسبة لمن يعيش في القرن الواحد والعشرين.

أشتهر الأدباء بإهتمامهم بفكرة السفر عبر الزمن فكرسوا أعمالاً سُطرت فيما بعد لتعد من روائع الآداب في معظم لغات العالم، فقد ابتكر هذا النمط أحد الكتاب الإنجليز في عام 1985، قيل ان سبب هذه الثورة الأدبية بخصوص هذا الموضوع هو تطور العلم مما أدى الكتاب إلى استباق الأحداث كعادتهم وإن كانت تكهناتهم على الأغلب خاطئة. قانون النسبية لإينشتاين حثت خيال الكتاب أكثر وأكثر، فكما ينص القانون على وجود بعد رابع في الأبعاد الكونية غير الطول والعرض والارتفاع وهو النسبية الزمنية فلو وصلت سرعة جسم إلى سرعة قريبة من سرعة الضوء تقل سرعة الوقت بالنسبة للجسم مقارنةً بجسم أخر في الأحوال الأصلية ثم أتت نظرية الثقوب السوداء واحتمالية السفر عبر الزمان بطريقة أخرى.

رغم أن الموضوع معقد والفكرة غير مُستقر عليها عرض آلان الفلم بطريقة سطحية وركز على الناحية الأدبية فيه والفروقات بين الماضي والحاضر حتى جعل بطل القصة يهيم في أرجاء الزمان تارة في الماضي وتارة أخرى في الحاضر، جعله حائر، جعله هو. نعم، شخصية البطل لها أبعاد أخرى فهذه نقطة أخرى تضاف إلى عبقرية الفلم فتحويل شخصية رتيبة إلى ( وودي آلان ) أمر يصعب تجاهله، فهو متردد، سريع التأثر كما هو مخرجنا.





اُختيرت العاصمة الفرنسية باريس كمكان لتصوير هذا الفلم فيها لأسباب عدة أهمها: أمتلاء تاريخها بشخصيات أدبية مما يُتيح للكاتب بأن ينوع من الأفكار ويدخل شخصيات أخرى إلى القصة بكل سهولة، روعة المكان فقد كان ظاهراً للعيان أن المخرج تغنى بباريس وخصص لها مشاهد ليظهر روعتها وأناقتها فتغنى بها في العديد من اللحظات وفي عدة أزمنة، كيف لا و قد سحرت المسافر عبر الزمن وجعلته يظن أنها جنة الله في ارضه. رجلُ هائم في حب إمراءة من حقبة أخرى !. لك أن تتخيل الموقف فالرجل يقبل على زواج في زمنه وفي الزمن الموازي تائه بين جمال الأرض وجمال التراث والتعرف أكثر على الأدباء وحب إمراءة كان يسمع عنها في الماضي دون أن يعير لها اهتماماً.

ترشح الفلم لأربعة جوائز أوسكار حاز على واحدة منها وكانت أفضل نص غير مقتبس، لكن خسر الثلاثة بعد أن خطف مخرج فلم الفنان جائزة أفضل مخرج وبالإضافة إلى أفضل ديكور إخراجي خسرها هي الأخرى لصالح فيلم هيوغو، وبالطبع خسر ايضاً جائزة فلم العام لتكون في النهاية لفلم العام الفنان، حصول آلان على الجائزة يعتبر شئ فريد من نوعه فقد وصل عمره إلى 77 ليكون الفرق بين عمره واعمر الأوسكار 7 سنوات فقط !. بهذه الجائزة وجد المخرج نفسه بين ثلاثة تماثيل أوسكار حاز عليها من هانا وأخواتها وأني هال وبالطبع باريس في منتصف الليل. على الرغم من أن طاقم الممثلين لم يكن بشكل عام ممتاز إلا أنه ضم العديد من الممثلين الرائعين فبالإضافة إلى أون ويلسون حلت الممثلة الفرنسية ماريون كوتيلارد كضيف خفيف ومميز على السينما الأمريكية فبعد تحقيقها جائزتي الأوسكار وبافاتا عام 2008 للفلم الفرنسي "La môme"  انهالت عليها العروض فشاركت في "انسبشين" و"كونتيجين" ومن المقرر أن تشارك في "فارس الظلام ينهض".

الخلاصة: سطعت نجومية الفلم بالدمج الرائع بين الخيال والدراما بصورة خلابة تم دمجها ببعض اللقطات الكوميدية،لكن أرى العيب الأبرز هو السطحية في فكرة السفر عبر الزمن.

مشاهدة ممتعة.

ابوهرقل


الثلاثاء، 21 فبراير 2012

مراجعات سينمائية 2: أسوء الأمراض


 The Help

مراجعات سينمائية:




قبل البدء في قراءة الفلم وأحداثه وطاقمه يجب ان نسلط الضوء على تاريخ العبودية والعنصرية للسود في أمريكا وكيف بقت تلك الحقبة عالقة في أذهان الناس إلى يوماً الحاضر. في القرن 17 ميلادي ظهرت أول أثار التفريق العنصري في الولايات المتحدة الإمريكية بين البيض وغيرهم وتجلت تلك الآثار بالعبودية حيث كان غير البيض آن ذاك يُعاملون معاملة ممتلكات. لم تكن العبودية في بداياتها مبنية دائماً على العنصرية العرقية فالآلاف السود خدموا المهاجرين الأوربيين وكذلك العديد من أوربيي الأصل مارسوا ذات العمل الذي كان غالباً ما يتجلى على صورة العمل في ميدان الزراعة فزرعوا القطن والتبغ اللذان كانا يعتبران من أكبر مصادر الدخل للويلات المتحدة.
كانت العبودية شائعة في جنوبي وشمالي أمريكا حتى منتصف القرن التاسع عشر عندما منعت العبودية في شمالي الدولة، لكن الجنوب لم يرضخ لتلك القوانين فحسب إحصائية عام 1860 م كان هناك حوالي 385000 عبد يخدم 1,5 مليون عائلة. ظهرت عديد المنظمات في تلك الفترة تدعوا إلى نبذ العبودية لكنها قُبلت بالرفض والاستنكار كذالك من قبل الجنوبيين فاضطر الكثير من السود من مغادرة الولايات الجنوبية والنزوح إلى الشمال واتجه البعض إلى أفريقيا عائداً أدرجه.

صدر قرار منع العبودية وشمل جميع الولايات التابعة للإتحاد الأمريكي آن ذاك في عام 1865 م، لكن كان هنالك عدة مناطق ومستعمرات غير خاضعة للسلطة الاتحادية فلم تُنبذ العبودية إلا بعد قرابة 40 سنة من تاريخ قرار المنع. صاحبت الحرب الأهلية العديد من الأحداث المليئة بالعنصرية والتفرقة لكن لن نستعرضها لأنها تحتاج إلى مقالة منفصلة للتحدث عنها.

وضع الكاتب الأحداث في منتصف القرن العشرين حيث كانت التفرقة العرقية في أوجها في الجنوب حتى سُميت تلك الحقبة بـ " فترة الحضيض " فعلى الرغم من إلغاء العبودية، أستمرت العنصرية، شيكاغو ونيويورك وبوسطن عدة مدن عانت من هذا المرض في تلك الفترة الزمنية على الرغم من كونهم ولايات غير جنوبية.
بعد وصولنا للفترة الزمنية التي حدثت فيه مجريات الفلم دعونا نستعرض بعض أشكال العنصرية التي لاقها أصحاب البشرة السوداء في تلك العقود، فمن المؤكد أنهم كانوا يُعاملون معاملة مواطنين درجة ثانية فعلى سبيل المثال اذا تلاقى شخصان أحدهما ابيض والأخر بشرته سوداء على طريق فعلى ذوي البشرة السوداء التنحي حتى يعبر البيض حتى وإن كان في الطريق متسع لشخصين أو أكثر، وقد كانت الأعراف تنص على السود ركوب أخر الحافلة وإن دخل رجل ابيض إلى حافلة مزدحمة فعلى السود النهوض من المقعد، ولم يكن لهم إيضاً حق التصويت في جميع الولايات و النظرة العامة لهم مليئة بالإشمئزاز حيث قيل أنهم مصدر للأمراض وجلودهم وسط ممتاز للبكتيريا والفيروسات !.



في زمن العبودية المصطنعة ظهرت تلك الفتاة البيضاء بعد ما لملمت حاجياتها من الشمال متوجهة إلى وطنها حاملة تلك الورقة البيضاء الملفوفة بخيط أحمر صغير تدل على علمها في الكتابة، دفعها ماضيها مع مربية سوداء وحاضرها في مجتمع بدون عنصرية إلى نبذ هذا المرض بالخفاء فإعلانها للملاء بتأييدها لحقوق المنبوذين سيجعل منها هي الأخرى منبوذة، حصلت على عمل في صحيفة رخيصة لكتابة مقال رخيص يحكي عن التدبير المنزلي، كانت تلك الفتاة مفعمة بالطموح والأفكار فاستشارت ضميرها وأشار عليها بالمناهضة لحقوق المظلومين فذهبت إلى خادمتين عرفتهما سراً لتتبادل معهم أطراف حديث يًكتب بواسطة قلمها الصغير على أوراق تأمل أن تذهب يوماً ما إلى مطابع النشر في نيويورك، فكانت تلك المشاهد من أفضل ما صُور في عام 2011 .. حكايتهم ليست مجرد حبر على ورق ! حكايتهم هي معاناة أمة وتجمع من تراكمات ترسبت على هذه الولايات الجنوبية منذ بديات القرن السابع عشر، فبتصريحهم تًخلد ذكرى إضطهادهم وتمضي الحياة على أمل أن يروا يوماً رجلين ذو لونيين مختلفين يسيرون بمحاذاة بعضهم البعض والإبتسامة على محيى الجميع.

كلف إنتاج الفلم حوالي 25 مليون دولار لكن بالمقابل كانت المدخلات قرابة 200 مليون دولار، مع دخول عام 2012 هلت البشرى على طاقم الفلم وكاتبه بترشيحه لأربعة جوائز أوسكار أحدها لأفضل فلم درامي. كُتبت الرواية بواسطة كاثرين ستوكيت وأٌنتج من قبل تايت تايلور وكان للطاقم النسائي ( في الغالب ) الكثير من الإشادات فقد ترشحت فيولا دافيس لجائزة افضل ممثلة لدور رئيسي ولن ننسى من أذهلت الجميع فجسيكا كاستين التي لعبت دور الفتاة الطيبة في ضواحي جاكسون ترشحت هي الأخرى لجائزة أفضل ممثلة لأدوار غير رئيسية.

قفلة: لله في خلقه شؤون فكيف نحكم على إنسان عن طريق إرادة ربه ؟!




أبوهرقل

السبت، 18 فبراير 2012

مراجعات سينمائية 1: دسم وثقيل


 Tinker, Tailor, Soldier, Spy


مراجعات سينمائية:




دارت احداث الفلم أثناء الحرب البادرة بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها ضد الاتحاد السوفيتي، في تلك الاثناء كانت الدولتان هما القوتان العظمتان في العالم بالإضافة إلى مملكة بريطانيا التي تعد احد حلفاء أمريكا. على الرغم من عدم وجود حرب عسكرية معلنه بين الدولتين تظل الحرب الباردة من أبرز ما دار في الخمسين سنة الأخيرة لما تلى ذالك من تغيير في سياسات الدولتين وحلفاءهما. أحد اهم اهداف الاتحاد السوفيتي آن ذاك كان نشر الشيوعية بين الأوساط والدول العالمية عامةً وأوربا الشرقية وأمريكا الجنوبية خاصة ولا ننسى بعض دول جنوب شرق أسيا، وفي المقابل أمريكا سعت إلى نبذ الفكر الإشتراكي في تلك المناطق بالإضافة إلى الشرق الأوسط ايضاً مما ادى الى حروب ضاعت في اثناءها عديد الأرواح والممتلكات للجيش الأمريكي ويذكر منها على سبيل المثال الحرب الفيتنامية التي لا تزال عالقة في اذهان الغربيين إلى يومنا الحاضر.

لم يبقى للاتحاد السوفيتي قائمة بعد عام 1991 حيث كانت الحرب الباردة على وشك الانقضاء والتوصل إلى اتفاقيات بين القوتين العظمتين في نهاية الثمانينات الميلادية فمع استلام ريجان زمام السلطة الغربية في الولايات المتحدة مارس شتى انواع الضغوطات السياسية والاقتصادية على الاتحاد السوفيتي الذي كان يُدار بمعية الرئيس غواتشروف.

أسم الفلم غير المألوف جعل الكثيرين يرغبون بمشاهدته فكما نعرف أن العنونة المناسبة والبوسترات المشوقة تجذب المشاهد نحو المادة المرغوبة، عموماً العنوان الغريب نوعاً ما ينقسم إلى أربعة أقسام أولها ( المصلح ) وثانيها ( الخياط ) وثالثها ( الجندي ) والأخير ( الجاسوس )، العنوان يعاني من نقص الشخصية الأهم ( المبتسم) ! لا تقلق ستفهم كل شئ في لحظات.

الإستخبارات البريطانية M16  تُقاد من شخص يدعى ( كنترول ). كنترول أحس بوجود خائن بين قواتها الاستخباراتية فاتجهت أصابعه لإتهام أحد النواب الخمسة ( المصلح، الخياط، الجندي، الجاسوس وأخيراً المبتسم )، لكن القائد أهمل الاسم الأخير لوثوقه به. كانت الطريقة الوحيدة لإكتشاف هذا الخائن هي ارسال أحد عملائه إلى بودابست بمهمة أقرب ما تكون إلى إنتحارية فقط لمعرفة هذا الجاسوس الذي أرق الجميع. ذهب كنترول وذهبت معه آخر الآمال لاكتشاف الحقيقة وربما حماية الآمة الغربية من الشيوعية المظلمة لكن كان لصديقه الصدوق أن يتتبع آخر خيوط ذكراه وأعماله حتى اكتشف ما كان ينوي فعله فمضى في ذلك الطريق.

جعل الكاتب من بريطانيا حاملة شعلة الغرب لتحطيم الفكر الشيوعي. الأحداث عبارة عن خليط رائع بين الدرما السياسية والتشويق حيث هناك مشاهد حركية لكن طغى الطابع التقليدي في الإخراج فكان المنتج ثقيل على الرغم من روعته، ثقيل من نوع أخر، هذا أفضل وصف لهذه التحفة أو ربما دسم وثقيل.



هذا الوجه الشاحب الذي أثقلته هموم الحياة لتنقله من عالمه الوردي إلى هذا العالم التعيس حتى تجعدت وجنتيه وانطوت ترهلات وجهه على بعضها، هذا الوجه جعل من المشاهد يظن ان الحجار تتكلم، كنتُ متأكداً أثناء استمتاعي بالفلم أن الحجارة تتكلم أو على الأقل تعكس القدم والأصالة اللتان اعتمد عليهما طاقم العمل. الممثلين ابدعوا في إيصال تلك الأصالة إلى المشاهد حيث كان إختيار الطاقم ممتاز للغاية فقد ضم الممثل البريطاني الشهير جون هارت الذي ترشح لجائزتي اوسكار بالإضافة إلى جاري اولدمان الذي ترشح لجائز افضل ممثل في دور قيادي لأوسكار 2012 يُذكر ان بطل الفلم جاري شارك في العديد من الأعمال الرائعة قبل تنكر تايلور منهم على سبيل المثال ( ليون: المحترف، و فارس الظلام ). لا يٌعتبر المخرج أحد القادة البارزين في هذا الميدان فالسويدي توماس الفيردسون لم يُخرج فلم حصل على شهرة كافية إلا هذا الفلم الذي حقق عليه جائزة بافاتا البريطانية قبل فترة بسيطة. قبل أن ننتهي من سرد حقائق عن القائمين على هذا العمل يجب ألا ننسى الكاتب الأصلي لهذه التحفة فقد قام الإنجليزي جون لي كاري بكتابها على شكل رواية حولت فيما بعد إلى فلم سينمائي، بالإضافة إلى تنكر تايلور، الإنجليزي كتب عدة روايات حولت هي الأخرى إلى أفلام كذلك.

في عام 1779 قامت الشبكة البريطانية ( بي بي سي ) بإذاعة تنكر تايلور على شكل مسلسل عبارة عن سبع حلقات لاقت نجاح باهر ثم قامت ذات الشبكة بإذاعته مره أخرى لكن على شكل حلقات صوتية في الراديو البريطاني.

الخلاصة: الفلم وجبة دسمة لا تشاهده إلا وأنت عازم على اكماله حتى لو مرت لحظات من الرتابه والملل، فالفلم متكامل من جميع النواحي إلا أنه كما اسلفت رتيب في بعض المراحل وطويل إيضاً إلا إنا في طوله متعه. نصيحة أخيرة: لا تفوت مشاهدته !


أبوهرقل